‏أحمد بوشيقي.. عندما اغتال الموساد الإسرائيلي نادلاً مغربياً في ‎النرويج

F22

الادارة
مشرف عام
إنضم
May 4, 2020
المشاركات
18,672
مستوى التفاعل
12,467
1626870207739.png
للموساد الإسرائيلي باع طويل في عمليات اغتيال شهدت جرائم شنيعة. ولم يكتفِ عملاء الموساد باغتيال "أعداء تل أبيب"، بل طالت تلك العمليات أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل بإسرائيل وسياساتها، ومن ضمن هؤلاء النادل المغربي أحمد بوشيقي.
ولم يترك جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" موطئ قدم في العالم إلا لطّخه بالدماء أو بعمليات التجسس والملاحقات والاختطاف، وسرعان ما يخرج الساسة الإسرائيليون يتبرؤون من تلك الجرائم، مدّعين عدم صلتهم بها.
وشهد العالم منذ خمسينيات القرن المنصرم سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال، لعلماء وساسة ومفكرين ومشاهير عرب ومسلمين على يد الموساد. وكان آخرها في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، إذ اغتالت إسرائيل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الملقَّب بـ"أبو النووي الإيراني"، واتهمت وقتها إيران الموساد صراحةً بضلوعه في عملية الاغتيال.
وفي مثل هذا اليوم، 21 يوليو/تموز، من عام 1973، اغتالت عناصر تابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي النادل المغربي أحمد بوشيقي في مدينة ليلهامر شمالي النرويج، حيث أطلق الموساد بلا شفقة 13 رصاصة على جسده أردته قتيلاً. وما لبث القتلة إلا قليلاً حتى علموا أن من قتلوه ليس الشخص المطلوب.
ومن كان عملاء الموساد يظنّون أنهم بصدد قتله هو علي حسن سلامة، القيادي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وقائد عمليات منظمة "أيلول الأسود"، المُلقَّب بـ"الأمير الأحمر". فعلى خلفية اغتيال المنظمة 11 رياضياً إسرائيلي الجنسية خلال الألعاب الأولمبية بميونيخ 1972، توعدت جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها، بالانتقام لمقتل الرياضيين الإسرائيليين، وأطلَقت على تلك العملية "غضب الله".
كيف أخطأ القتلة ضحيتهم؟
شكّلت السلطات النرويجية لجنة تحقيق سداسية لاستقصاء ملابسات الجريمة، وعمدت اللجنة على مدار عامين إلى تتبُّع خيوط القضية التي عُرِفت إعلامياً باسم "قضية ليلهامر"، نسبةً إلى المدينة النرويجية محلّ الاغتيال، التي تبعد قرابة 200 كيلومتر عن العاصمة النرويجية أوسلو.
وأصدرت لجنة التحقيق تقريراً من 179 صفحة، أفادت بموجبه بتورط جهاز الموساد الإسرائيلي مباشرة في عملية الاغتيال. وكشف التقرير عن 14 اسماً لمنفذي العملية التابعين للموساد، أهمهم هو مايكل هراري قائد العملية، وسيلفيا رافائيل، جاسوسة وقاتلة مأجورة إسرائيلية جنوب إفريقية الأصل.
كما كشف التقرير أن 9 من القتلة استطاعوا الفرار، فيما أُلقيَ القبض على خمسة عملاء للموساد، لبثوا في السجن قرابة عامين، ثم أُطلق سراحهم بشكل مريب، ليعودوا إلى إسرائيل عام 1975.
وأدانت اللجنة ما وصفته بـ"تخاذل" السلطات النرويجية نفسها في ملاحقة وضبط القتلة الضالعين في جريمة الاغتيال.
وفصّل التقرير ملابسات الجريمة الشنيعة، فسرد أن الضحية كان يعمل نادلاً بأحد حمامات السباحة العامة في مدينة ليلهامر، وفي غضون بحث الموساد عن حسن سلامة تتبعوا ساعي بريد فلسطينياً كان متجهاً إلى حمام السباحة محلّ عمل النادل المغربي بوشيقي. وفور تحدُّث الساعي مع الأخير، ونظراً إلى التشابه الكبير بينهما، ظنّوا أن النادل البريء هو القيادي الفلسطيني بحركة التحرير، فاعتزموا قتله.
وفي الليلة التالية لتلك الواقعة، تَتبَّع عملاء الموساد بوشيقي ذا الثلاثين عاماً، الذي كان عائداً من مشاهدة عرض سينمائي، مستقلّاً حافلة برفقة زوجته النرويجية توريلا لارسن، التي كانت حاملاً في جنين سنه 7 أشهر. وفور نزولهما من الحافلة انقضّ القتلة على الشابّ المغربي، وأطلقوا عليه 13 رصاصة على بعد أمتار منزله، وسط ذعر زوجته توريلا التي لم يُصِبها الرصاص.
وصرّح رئيس هيئة الأركان النرويجية الأسبق، وأحد الأعضاء الستة بلجنة التحقيق في "قضية ليلهامر"، جولو جيسيث قائلاً: "تلك القضية البشعة مثّلت انتهاكاً صريحاً لسيادة دولة النرويج"، مستنكراً عدم مراعاة إسرائيل للأعراف الدولية بالتنسيق مع السلطات المحلية في عملية استهداف سلامة. وأكد جيسيث أن علاقات بلاده بتل أبيب أصابها فتور طويل إزاء تلك القضية.
وندّد التقرير بمقتل النادل المغربي بوشيقي، واعتبرته "راح ضحية التصرف الأحادي من الموساد، الذي جرى بلا إعلام للسلطات النرويجية بمخطط استهداف حسن سلامة".
إنكار إسرائيلي ثم إشادة بالقتلة
حاولت تل أبيب مراراً وتكراراً إنكار ضلوعها في جريمة قتل بوشيقي، ورفضت الاعتراف بمسؤوليتها تجاه عائلة النادل المغربي.
ونظراً إلى الضغوط الدولية التي قادتها النرويج وأسرة الضحية للتنديد بالحادثة، وافقت الحكومة الإسرائيلية عام 1996 على منح تعويض يعادل 400 ألف دولار أمريكي لأسرة أحمد بوشيقي نظير القتل الخطأ. وسط تناقض فج، أصرّ شمعون بيرس رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها على أنه لا ينبغي بموجب هذا التعويض القول إن إسرائيل تتحمل المسؤولية تجاه تلك الجريمة، قائلاً: "إسرائيل لن تتحمل المسؤولية، لأن إسرائيل ليست تنظيماً للقتل".
وتقول توريلا لارسن أرملة الضحية بوشيقي في هذا الصدد: "لا أحد يمنح تعويضاً ما لم يكن بالفعل مذنباً".
وعلى الرغم من تلك الجريمة، تحتفي الصحافة الإسرائيلية بسيرة إحدى عملاء الموساد الضالعين في الجريمة، وهي سيلفيا رافائيل، إذ أفادت الصحيفة الإسرائيلية الشهيرة "The Times of Israel"، بأن رافائيل "عاشت حياة مليئة بالنضال والانتصارات وخدمة دولة إسرائيل". ولم تتورع الصحيفة عن ذكر "حادثة ليلهامر" التي راح ضحيتها النادل المغربي البريء، كسرد للتاريخ "المشرّف" للجاسوسة والعميلة الإسرائيلية رافائيل.
وتمكّن الموساد من اغتيال "الأمير الأحمر" علي حسن سلامة، ونُفّذ الاغتيال في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1975، بسيارة مفخخة في عملية لقي فيها أربعة من حراس سلامة الشخصيين وأربعة من المارة مصرعهم، فيما أصيب 18 آخرون.
جدير بالذكر أن الموساد اغتال منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم نحو 2700 من العلماء والمشاهير العرب، بينهم مصطفى مشرفة، ورمال حسن رمال، وسميرة موسى، ويحيى المشد، وإبراهيم الظاهر، ومحمد الزواري، وفادي البطش.
 

الاعضاء الذين يشاهدون الموضوع (المجموع: 1, الاعضاء: 0,الزوار: 1)

أعلى