صفقة 35 -F للإمارات .. الدلالات السيــــــــــــــــاسية والأمـنيـــــــة والاســتراتيجيـــــة

إنضم
May 5, 2020
المشاركات
11,492
مستوى التفاعل
14,117
1609920907921.png

تجسد موافقة الولايات المتحدة في شهر نوفمبر 2020 على بيع مقاتلات «F - 35” وطائرات مسيرة مسلحة من طراز” أم كيو 98 لدولة الإمارات العربية المتحدة، قوة العلاقات بين الدولتين، كما تعكس الثقة في قدرات الإمارات العسكرية، خاصة أن الولايات المتحدة لا توافق على بيع هذه النوعية من الطائرات لأي دولة إلا بعد تأكدها من أن هذه الدولة تمتلك القدرات التكنولوجية التي تمكنها من تشغيلها بكفاءة عالية، وأنها داعم رئيسي لجهود تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

بقلم : يوسف جمعة الحداد

صفقة «F-35».. وخصوصية العلاقات الإماراتية- الأمريكية

في العاشر من نوفمبر 2020 أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكونجرس رسمياً بموافقتها على بيع أسلحة متقدمة لدولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، تشمل مقاتلات «إف 35» وطائرات مسيرة مسلحة. وأوضحت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها إن هذه الصفقة تشمل ما يصل إلى 50 مقاتلة من طراز «إف -35» إلى جانب 18 طائرة مسيرة من طراز» أم كيو 98»، وحزمة ذخائر لصواريخ جو-جو وجو-أرض. فيما علق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على هذه الصفقة، بالقول : « إن الموافقة على صفقة الأسلحة هي تقدير لعمق علاقتنا ولحاجة الإمارات إلى القدرات الدفاعية المتقدمة للردع وللدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات المتنامية في المنطقة، وأن هذه الصفقة ستجعل الإمارات أكثر قدرة وقابلية للعمل المتبادل مع حلفاء الولايات المتحدة».

وتؤكد هذه الصفقة – كما يُفهم من قراءة بيان وزارة الخارجية الأمريكية - قوة العلاقات الإماراتية- الأمريكيــة، وأنهـا ترتكـز على ثوابت راسخة تجعل منها نمـــوذجــاً للشــــراكات التــي تتطور باستمرار، خاصة في ظل الإدراك المتبادل من جانب قيادتي الدولتين بأهمية العمل على تعزيز هذه العلاقات في المجالات كافة، فضلاً عن وجود قاعدة كبيرة من المصالح المشتركة التي تعمل الدولتان على تطويرها باستمرار، كما أن هذه العلاقات ترتكز على ميراث طويل من الاحترام والمواقف المشتركة، فالولايات المتحدة كانت في مقدمة دول العالم التي اعترفت باتحاد دولة الإمارات عام 1971، وكانت الدولة الثالثة كذلك التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الإمارات وأقامت سفارة فيها منذ عام 1974 ، وخلال هذه الفترة شهدت العلاقات الثنائيـة بين الدولتـين نقلة نوعية على الصعد كافة، السياسية والأمنيــة والاقتصــاديــة والتجارية والعسكرية.

ولعل أهم ما يميز العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تقتصر على التعــاون في المجالات التقليدية ، السياســية والاقتصاديـة والثقافية والتعليم والتكنولوجيا، وإنما تتضمن أيضاً التعاون في المجالات النوعية الدقيقة، فإذا كانت صفقة»إف-35» تمثل أحدث أنواع الطائرات المقاتلة التي لا تسمح الولايات المتحدة ببيعها إلا لحلفائها الموثوقين، فإن هناك مجالات أخرى للتعاون بين الدولتين، وتندرج ضمن ما يطلق عليه «المجالات النوعية المتقدمة»، مثل الطاقة النووية السلمية، حيث وقعت الدولتان في أبريل من العام 2008 اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض المدنية والسلمية ، وهي الاتفاقية التي عززت من الثقة في برنامج الإمارات النووي السلمي وتوجهات الإمارات الهادفة إلى توفـــير طاقــة نووية آمنة وفعّالة وموثوقة وصديقـــة بيئياً ومجــديــة اقتصــادياً لدعـم النمـو الاجتمـاعي والاقتصادي. ومن المجالات النوعية الأخرى قطاع الفضاء، حيث تتعاون الدولتـــان في مجـال الأمـن الفضائي وعلوم الفضاء ومتابعة الطقس واســتخدام التطبيقات المعتمدة على الأقمار الصناعية. وينطوي التعاون الإماراتي - الأمريكي في مجال الفضاء على أهمية كبيرة ، خاصة بعد إرسال الإمارات في شهر يوليو 2020 أول مسبار عربي وإسلامي لكوكب المريخ بقيادة فريق عمل إماراتي في رحلة استكشافية علمية من المتوقع أن تصل للكوكب الأحمر خلال الربع الأول من العام المقبل 2021.

وجاء إطلاق الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الأمريكي الذي عقد بشكل افتراضي في العشرين من أكتوبر 2020 ليجسد قوة العلاقات بين الدولتين، التي تستند على مرتكزات ثابتة تمثل ضمانه ليس فقط لتطويرها وإنما توظيفها في تعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. إن القضايا التي نوقشت خلال الحوار الاستراتيجي تعبر بوضوح عن توافق الرؤى بين الدولتين تجاه التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم من حولنا، حيث تضمن هذا الحوار عدداً من المجالات الرئيسية، كالتنسيق السياسي والتعاون الدفاعي إلى التبادل الاقتصادي والثقافي، بهدف تعزيز المصالح السياسية المتبادلة، وحل القضايا الإقليمية، وتعزيز التسامح، ومكافحة التطرف، وهذا إنما يؤكد خصوصية العلاقات بين الدولتين، وأنها بالفعل تمثل نموذجاً للشراكات الناجحة بين الدول.

لقد أكد الطرفان في نهاية هذا الحوار على أهمية التنسيق الدفاعي بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة لردع التهديدات العسكرية من خلال التخطيط المشترك والتدريب والتمارين والتشغيل البيني للمعدات، وتعزيز التعاون في مجال إنفاذ القانون وأمن الحدود لمكافحة النشاط الإجرامي، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات لمكافحة التطرف وتعزيز الشراكات المتعددة الأطراف التي تعزز الأمن الدولي.

وتنظر الولايات المتحدة باهتمام بالغ إلى الحوار الاستراتيجي مع الإمارات حول مجمل هذه القضايا، لأنها تعتبرها قوة إقليمية رئيسية في ضمان أمن واستقرار المنطقة، وهذا ما يفهم من تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورجان أورتاجوس في العشرين من أكتوبر 2020، والتي قالت فيها صراحة:» إنه لا يمكن للولايات المتحدة مكافحة الإرهاب بدون التعاون مع الإمارات، التي تعد رائدة في صنع السلام بمنطقة الشرق الأوسط».

صفقة «F-35».. وثقة الولايات المتحدة في القدرات العسكرية الإماراتية
لا شك أن موافقة الولايات المتحدة على بيع الإمارات 50 مقاتلة من طراز “إف-35” المتطورة إنما يجسد بشكل واضح الثقة الكبيرة في قدراتها العسكرية، وما تتمتع به من جاهزية وتطور وفقاً لأحدث المعايير العالمية، خاصة إذا ما تم الاخذ في الاعتبار أن الموافقة على بيع هذه المنظومة المتطورة من الطائرات لأي دولة لا يأتي إلا بعد أن تكون الولايات المتحدة لديها أعلى درجة من الثقة في القدرات العسكرية لتلك الدولة، وعملية صنع القرارات المتعلقة باستخدام القوة والالتزامات بحماية التكنولوجيا الحساسة من قبلها، وهذا في حد ذاته، إنما يعد اعترافاً بالقدرات النوعية والتكنولوجية المتقدمة للقوات المسلحة لدولة الإمارات، والتي تمتلك القدرة على تشغيل هذه النوعية من الطائرات.

والواقع أن دولة الإمارات باتت بالفعل واحدة من أهم القوى الإقليمية والدولية في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية، وتمتلك بنية تقنية وتكنولوجية متطورة تتيح لها ليس فقط مواكبة كل ما هو جديد في هذا المجال على الصعيد العالمي، وإنما أيضاً تشغيل أعقد التكنولوجيات العسكرية، كمنظومة طائرات “إف-35” ، والتي تتمتع بمزايا خارقة، سواء من حيث القدرة على التخفي أو الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت أو التزود بأجهزة استشعار على متنها تتيح للطيار رؤية شاملة لساحة المعركة، تمتد على مئات الأميال.

ولا شك في أن امتلاك الإمارات لطائرات “إف-35” الأكثر تطوراً في العالم سيعزز من قدراتها العسكرية، والرادعة على وجه الخصوص، خاصة بالنظر إلى أن هذه النوعية من الطائرات التي تطورها شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، تشكل الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة التي لديها قدرة فائقة على الرصد والاستهداف المباشر للأعداء في ساحة المعركة، أي أنها توفر ميزة عسكرية حاسمة للمقاتل في ساحة المعركة، كما أنها تتسم في الوقت ذاته بالسرعة وخفة الحركة، كما أنها مصممة لتنفيذ العديد من المهام كعمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والهجوم الإلكتروني، كما تتمتع هذه الطائرة بنظام الدفع F135 والذي يعد أقوى محرك بالعالم، وهي سمات تضمن لأي دولة تمتلك هذه النوعية من الطائرات التفوق الجوي والتصدي لأي تهديدات طارئة.

والواقع أن موافقة الولايات المتحدة على صفقة”F-35” إنما يشير أيضاً إلى أن دولة الإمارات تستوفي كل المعايير الفنية والتقنية لامتلاك هذه المنظومة من الطائرات المقاتلة والقدرة على تشغيلها بكفاءة عالية، خاصة أن الإمارات، بحسب تصريحات لروبرت هارورد الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن للصناعات العسكرية في الشرق الأوسط في نوفمبر من العام 2019، تمتلك أحدث طائرات من طراز”F-16” على مستوى العالم، وهي “بلوك 60”، كما أنها الدولة الوحيدة في العالم بجانب الولايات المتحدة التي تمتلك نظام “ثاد” المضاد للصواريخ، وقد أثبتت كفاءة كبيرة ليس فقط في تشغيلها وإنما أيضاً في تطوير مهامها.

ولا شك في أن ثقة الولايات المتحدة في القدرات العسكرية لدولة الإمارات إنما يرجع بالأساس إلى عوامل عدة، أولها التقدم الهائل في منظومة الصناعات الدفاعية لدولة الإمارات، ونجاحها في توطين التكنولوجيا المتقدمة الخاصة بها. وثانيها الشراكة بين العديد من الشركات الدفاعية الوطنية وكبرى الشركات الأمريكية في مجالات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة وبرامج نقل المعرفة، فعلى سبيل المثال فإن شركة لوكهيد مارتن الأمريكية التي تطور منظومة «إف- 35» تستثمر في تطوير مهارات الكوادر الإماراتية الشابة، من خلال برنامج تدريب تقوم به الشركة الأمريكية موجه للطلبة الإماراتيين من مختلف الجامعات والتخصصات، لا سيما الهندسة والتكنولوجيا والرياضيات، لإعداد جيل من الطيارين الإماراتيين القادرين على الخدمة في السلاح الجوي الإماراتي. وثالثها نجاح الإمارات في إقامة العديد من المعارض الدفاعية والأمنية المتخصصة على الصعيد العالمي، فمعرض الدفاع الدولي «آيدكس» أصبح واحداً من أهم المعارض العسكرية في العالم، والذي تتنافس كبرى الشركات الدفاعية والتكنولوجية على المشاركة فيه، وعرض أحدث منتجاتها من الصناعات الدفاعية والتكنولوجية خلاله.

صفقة «F-35».. تجسيد لمسيرة حافلة من التعاون الدفاعي بين الإمارات والولايات المتحدة
لا يمكن فهم موافقة الولايات المتحدة على صفقة طائرة «F-35» المتطورة لدولة الإمارات بمعزل عن مسيرة التعاون الحافلة بينهما في المجال الدفاعي والعسكري، وهي مسيرة بدأت منذ عقود، واكتسبت زخماً قوياً إبان حرب تحرير الكويت عام 1991، وتعززت فيما بعد حينما وقعت الدولتان اتفاقية للتعاون العسكري عام 1994، تنص على تعزيز التعاون بينهما في مجال التدريب والمناورات العسكرية، حيث تحرص الدولتان على إجراء التمرينات العسكرية المشتركة، وذلك في إطار التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات العسكرية والتخطيط المشترك بين الجانبين ، بما يواكب توجه دولة الإمارات الاستراتيجي في مواكبة المستجدات والمتغيرات العسكرية الحديثة. ودخلت العلاقات الدفاعية بين الدولتين مرحلة مهمة بدخول اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة بينهما حيز التنفيذ في مايو من العام 2019، خاصة أن هذه الاتفاقية تستهدف تعزيز التنسيق العسكري بين البلدين؛ عبر توطيد التعاون الوثيق في المسائل الدفاعية والأمنية، ودعم الجهود التي تبذلها الدولتان للحفاظ على الأمن في منطقة الخليج.

التعاون الدفاعي بين الإمارات وأمريكا
والواقع أن التعاون الدفاعي والعسكري بين دولة الإمارات والولايات المتحدة يمثل نموذجاً للشراكـات الناجحــة التي تسهم في تعـزيز أسـس الأمـــن الإقـليمي والـدولي، خاصـة إذا ما تم الأخــذ في الاعتبــار حقيقــة أن الإمـــــارات تعد الدولة العربية الوحيدة ، وثالث دولة في العــالم التي تمتلك سجلاً استثنائياً كشريك رئيسي للولايات المتحدة في المهمـــات العسكريـة لحفـظ الأمــن والسلـم الدوليين خلال السنوات الماضيـــة، ففـي حــرب تحـريـــر الكويـت عام 1991 كانت الإمارات واحدةً مـن أولى الدول التي ساندت الولايات المتحدة في هذه الحرب، كما انضمت الإمـارات عام 1992 للدول التي شاركت تحت قيادة القيادة المركزية الأمريكية، في توفير بيئة آمنة وتقديم المساعدات الإنسانية لدولة الصومال، واسهمت بدور رئيسي في التصدي لخطر القرصنة هناك. وكانت دولة الإمارات بين أولى الدول غير الأعضاء في الناتو التي قدمت دعمًا لعمليات الناتو الجوية في ألبانيا وكوسوفو في عام 1999، حيث تم نشر قوات مشاة تتكون من نحو ألف فرد، فضلاً عن نحو 250 فرداً مع طائرات هيلكوبتر أباتــــــشي AH-64A وقوات خاصة، كما شاركت الإمارات في عمليات حفظ السلام، وقدمت مساعدات إنسانية خلال وبعد فترة الصراع.

كما دعمت دولة الإمارات جهود الولايات المتحدة لإعادة الامن والاستقرار في أفغانستان، في إطار عملية “رياح الخير”، حيث أرسلت قوات لأفغانستان في عام 2006 لتوفير الحماية للمعدات وأعمال البناء في مستشفى كابول قرب قندهار، بينما قامت القوات الإماراتية بعمليات توزيع مساعدات إغاثية إنسانية وإزالة المتفجرات حول العاصمة كابول. كما شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي الذي تقوده الولايات المتحدة في عام 2014، وشاركت بفاعلية في العمليات العسكرية الموجهة ضد هذا التنظيم، والتي توجت بهزيمته واسترداد الأراضي التي كان يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في أكتوبر عام 2019. وقد حظي الدور الذي قامت به المقاتلات الإمارتية في هزيمة تنظيم داعش بتقدير واسع من جانب الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، ليس فقط لأن الإمارات جاءت بعد الولايات المتحدة فيما يتعلق بأعداد ونوعية الضربات الجوية الموجّهة ضد تنظيم داعش الإرهابي، وإنما أيضاً لأنها أثبتت أنها قوة فاعلة في مواجهة مصادر التهديد الإقليمي والدولي، وأنها عامل رئيسي في تعزيز أسس الأمن والاستقرار في المنطقة.

والواقع أن الدور المحوري الذي قامت به الإمارات خلال مشاركتها للولايات المتحدة في هذه العمليات والمهام العسكرية التي تستهدف حفظ الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي، يؤكد بوضوح المكانة المركزية التي تحظى بها الإمارات بالنسبة للولايات المتحدة، كحليف استراتيجي يتم الاعتماد عليه بشكل موثوق، وهذا ما عبر عنه بوضوح جيم ماتيوس وزير الدفاع الأمريكي السابق في المحاضرة التي القاها في مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقصر البطين في أبوظبي في مايو من العام 2019، والتي حملت عنوان “أهمية العلاقات الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية “، والتي أكد خلالها على أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية تشكل النموذج الأفضل لشكل العلاقات التي تفرضها الأحداث في المنطقة ، قائلا:” إن علاقتنا الاستراتيجية واسعة جدا وعميقة جدا وقوية جدا بما يكفي كي تقف في وجه التحديات الآنية من أي نوع لأنها تقوم على أساس صلب ، وعلى الرغم من الحساسية المفرطة للأوضاع السياسية التي مرت بالمنطقة منذ العام 1979 إلا أن الإمارات حافظت على اتزانها السياسي وواصلت جهودها الدبلوماسية والسياسية”. كما أشاد ماتيوس في هذه المحاضرة بكفاءة القوات الجوية الاماراتية و طياريها الأكفاء الذين اختبروا أثناء التدريبات القاسية في نيفادا بالولايات المتحدة وخلال التدريبات المشتركة، قائلاً في هذا الخصوص “جيشكم يعلم تمام العلم ما عليه فعله ولهذا هناك احترام متبادل بين جيشينا”.

صفقة «F-35» للإمارات.. الدلالات والتداعيات السياسية والأمنية والاستراتيجية
لا شك أن موافقة الولايات المتحدة على بيع الإمارات 50 مقاتلة من طراز F35 المتطورة التي تمتلك صفات نوعية إنما ينطوي على العديد من الدلالات والتداعيات السياسية والأمنية والاستراتيجية، لعل أبرزها:

1 - ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، فهذه الصفقة ستسهم في تعزيز العلاقات بين الدولتين،وستفتح آفاقاً واعدة للتعاون بينهما في المستقبل، كما أنها تجسد ايضاً الإدراك المتبادل من جانبي قيادتي الدولتين، لأهمية تطوير العلاقات الثنائية، وهذا ما يفهم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بومييو في تعليقه على هذه الصفقة، حينما قال:» إن الموافقة على صفقة «F-35» هي تقدير لعمق علاقتنا مع الإمارات»، وكذلك من تصريحات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لدولة الإمارات بمناسبة الحوار الاستراتيجي بين الدولتين في أكتوبر 2020، حين أشاد سموه بالمسيرة التاريخية الناجحة للعلاقات الثنائية التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تمتد لقرابة خمسة عقود.

2 - تأكيد المكانة المحورية لدولة الإمارات باعتبارها أهم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، فهذه الصفقة التي تجعل الإمارات واحدة من دول معدودة في العالم تمتلك هذه المنظومة المتطورة من الطائرات هي اعتراف بوزنها الفاعل والمؤثر كقوة رئيسية على المسرح الدولي، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة أن عدداً قليلاً من الدول تمتلك منظومة «إف ـ-35»، هي سنغافورة (4 طائرات)، وبلجيكا (34)، وبولندا (32)، وكوريا الجنوبية (40، بينما الإمارات وحسب هذه الصفقة ستمتلك(50) طائرة منها. وهذا لا شك يؤكد بوضوح أن دولة الإمارات العربية المتحدة تكتسي اهمية خاصة في الاستراتيجية الامريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط، ليس فقط لأنها تلعب دوراً محورياً في إرساء عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة، وإنما أيضاً لأنها شريك موثوق للولايات المتحدة يتم الاعتماد عليه في العديد من المهام والعمليات التي تسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين.

3 - الاعتراف بدور الإمارات الفاعل في تعزيز أسس الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، فهذه الصفقة يمكن اعتبارها ترجمة لمسيرة التعاون الفاعل والبناء مع الولايات المتحدة في مواجهة مصادر التهديد التي تواجه الأمن والسلم الدوليين، كما حدث خلال مشاركة الإمارات في حرب تحرير الكويت وعمليات حفظ السلام في البوسنة والهرسك والصومال وأفغانستان وفي الحرب ضد تنظيم «داعش»، ولجهودها ومبادراتها البناءة في احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات على صعيد المنطقة أو خارجها.

4 - إعادة صياغة معادلات التوازن الاستراتيجي في المنطقة: لا شك أن حصول الإمارات على هذه النوعية من الطائرات المتقدمة يشكل تطوراً مهماً من شأنه التأثير على التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن هذه الطائرات لا تعزز فقط قوة الإمارات العسكرية وقدرتها في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد أمنها القومي، وإنما أيضاً، ستسهم في تعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهــذا ما أشــار إليـــه بوضوح تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في سبتمبر 2020، أكد أن الولايات المتحدة تنظر إلى الإمارات باعتبارها تمثل «قوة اعتدال واستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم تقلباً، كما أن جيشها يبرز بين الجيوش الأخرى في المنطقة لمساهمتها بقوات عسكرية في العديد من التحالفات التي قادتها الولايات المتحدة منذ حرب الخليج الأولى 1991 وحتى الحرب ضد داعش عام 2014».

خاتمة
لا شك أن موافقة الولايات المتحدة على صفقة «إف -35» للإمارات تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، عنوانها تعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مواجهة التحديات والمخاطر المشتركة، خاصة في ظل الإدراك المشترك بأهمية العمل المتواصل على تطوير هذه العلاقات، على النحو الذي جسده الحوار الاستراتيجي بين الدولتين في أكتوبر 2020، والتوافق في الرؤى بينهما.
 

الاعضاء الذين يشاهدون الموضوع (المجموع: 1, الاعضاء: 0,الزوار: 1)

أعلى