العالم لا يريد طائرات الصين الحربية رغم جودتها

F22

الادارة
مشرف عام
إنضم
May 4, 2020
المشاركات
18,672
مستوى التفاعل
12,467
نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب ريتشارد أبو العافية، أوضح فيه سر عدم تصاعد مبيعات الصين من الطائرات الحربية رغم جودتها العالية وتنامى مكانة الصين الدولية.. نعرض منه ما يلى

تصدير الطائرات الحربية هى مزيج من القوة الخشنة والقوة الناعمة. فإذا كان بإمكان أى بلد بيع طائرات حربية للدول الأخرى، فهذا يعنى أنه يمكنه جذب العملاء للحصول على أسلحته، وهو ما يثبت بدوره أن البلد لديه عوامل جاذبة ليصبح شريكا استراتيجيا. إذن ليس من المستغرب أن تتوق الصين إلى أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للطائرات الحربية فى العالم.

مع تنامى مكانة الصين العالمية، توقع الكثير من الخبراء أن تعكس صادراتها من الأسلحة مكانتها على الساحة العالمية. لكن بعد عقود من هذه التوقعات، لم يحدث هذا. ما جوهر المشكلة إذن؟.
بداية، ولعقود من الزمن، بدا نمو الصين كقوة تصدير للطائرات الحربية أمرًا لا مفر منه. كما توقعت العديد من المجلات التجارية ذات النفوذ أن الصين تستعد للتغلب على روسيا وستتفوق على الأخيرة كمزود للطائرات الحربية فى العالم النامى.

لكن الأرقام تظهر بوضوح أنه لم يحدث شىء من هذا القبيل. فبين عامى 2000 و2020، صدرت الصين ما قيمته 7.2 مليار دولار فقط من الطائرات الحربية. لكن الولايات المتحدة حافظت على مركز الصدارة؛ حيث بلغت صادراتها 99.6 مليار دولار، وبقيت روسيا فى المرتبة الثانية عند 61.5 مليار دولار. حتى صادرات الطائرات الفرنسية ضاعفت الصين لتصل إلى 14.7 مليار دولار. باختصار، كانت هناك مؤشرات قليلة على تصاعد مبيعات الصين من الطائرات الحربية. بجانب الحقيقة التى تقول إن الطائرات الحربية الصينية لم تتعدَ السوق المعتاد. كان أكبر عملائها باكستان وبنجلاديش وميانمار وكوريا الشمالية وعدد قليل من البلدان الأفريقية. ولا تزال هذه هى القائمة اليوم.

على كل حال، سجل المبيعات الصينى الضعيف هذا لا علاقة له بجودة الطائرات نفسها. فالصين تصنع منتجات عالية الجودة، أو على الأقل منتجات تضاهى الطائرات التى نجحت روسيا فى تصديرها بكميات كبيرة إلى دول مختلفة.
تتميز إحدى مقاتلات الصين (جيه ــ 10)، التى كشفت النقاب عنها فى العقد الأول من القرن 21، بخصائص تشغيلية بما فى ذلك السرعة والمدى وقدرات الأسلحة وأجهزة الاستشعار، هذه الخصائص تتماشى تمامًا مع الطائرات الأمريكية والروسية والأوروبية فى سوق التصدير. ومع ذلك، لم يتم بيع أى من هذه المقاتلات للخارج، حتى لأكبر عميل للصين للطائرات الحربية، باكستان، وذلك لأن باكستان تتمسك بتكنولوجيا قديمة من الصين (جيه إف ــ 17)، ويرجع ذلك إلى أن هذه التكنولوجيا هى كل ما تستطيع باكستان تحمله، كما أنها أحيانا تقوم بتجميعها محليًا. ولطائرات حربية صينية أخرى مصائر مماثلة.

نعود الآن للإجابة على السؤال الذى طرحناه فى بداية المقال حول سبب عدم ارتفاع صادرات الصين من الطائرات الحربية رغم جودتها بجانب تنامى مكانة الصين العالمية. فى الحقيقة، تعتبر مواجهة الصين الشهر الماضى مع الفلبين أفضل تفسير لهذا الفشل. بدايةً حاول الرئيس الفلبينى توجيه البلاد بعيدًا عن الولايات المتحدة ناحية الصين بسبب ميزانية الدفاع الفلبينية المحدودة التى لا يمكنها سوى تحمل تكلفة الطائرات النفاثة اليدوية من الولايات المتحدة.
الفلبين تعانى من ضائقة مالية وتعمل على تأكيد مسار مؤيد للصين: بمعنى اختراق سوق تصدير الطائرات الحربية الصينية. فإذا اشترت الفلبين بضعة مقاتلات صينية وطالبت فى الوقت نفسه البحرية الأمريكية بالابتعاد عن قواعدها الفلبينية السابقة للأبد، كما حدث فى فبراير 2020، فإن العالم سيعتبر ذلك بمثابة انقلاب لصالح السياسة الخارجية الصينية. الآن لا يبدو ذلك واردا بسبب اشتعال التوترات بين البلدين الشهر الماضى فى بحر الصين الجنوبى ووصولها إلى درجة غليان.

وجدت الفلبين بديلا آخر لاحتياجاتها من الطائرات الحربية. فى عام 2015، حصلت الفلبين على أول طائرة (إف إيه ــ 50) من كوريا الجنوبية. وسمح شراء هذه المقاتلات للفلبين بالابتعاد عن الاعتماد على الأسلحة الأمريكية.
ليست الفلبين فقط. فجيران الصين الآخرون لا يحبون الصين. الهند، عميل لروسيا منذ فترة طويلة ولديها مصلحة قوية فى الاستعانة بدول أخرى، ما عدا الصين التى تواجه صراعا حدوديا سيئا معها فى جبال الهيمالايا. الشىء نفسه بالنسبة لفيتنام، بسبب نزاعها البحرى المتفاقم مع الصين. كما أن ماليزيا وإندونيسيا حذرتان للغاية من طموحات الصين ومن ثم تحجمان عن الحصول على مقاتلات صينية.

فى الحقيقة، فشل الصين فى زيادة صادراتها يخبرنا عن أكثر من مشكلة؛ هناك مثلا افتقار الصين للقوة الناعمة التجارية. فغالبًا ما تتضمن مبيعات المقاتلات علاقة تجارية، أى تميل إلى تضمين تعويضات تجارية أو اقتصادية مثل الوصول إلى السوق أو نقل تكنولوجيا الدولة المصدرة للتخفيف من بعض نفقات حزمة الأسلحة. لكن النظام الاقتصادى الصينى منغلق نسبيًا بمعنى أن العملاء ليس لديهم الكثير من المكاسب، نظرًا لأن الصين تريد أن تكون شركة تصدير مهيمنة عالميًا. بمعنى آخر، الصين تحاول أن تكون منافسا للأسواق الناشئة للاستثمار ومصانع الشركات الأجنبية.

باختصار، تفتقر الصين إلى عوامل الشريك الاستراتيجى فى المنطقة. كما أنها لا تهتم بالحفاظ على وضع مستقر فى آسيا، ولا يضيرها التوسع الإقليمى، مع عدم وجود سجل لدعم الحلفاء فى أوقات الأزمات. على الجانب الآخر، لا ترى دول المنطقة أى مكاسب للتعويل على إقامة علاقات استراتيجية مع الصين، والتى تتضمن بالضرورة شراء طائراتها المقاتلة.

ختاما، وبينما تكافح الصين للعثور على أى عملاء، فإن مكانة الولايات المتحدة للتصدير العسكرى تستعد لمزيد من النمو. بدأت الهند، فى العقد الماضى، فى شراء ما قيمته أكثر من 12 مليار دولار من طائرات الدوريات البحرية الأمريكية من طراز بى ــ 8، وغيرها من طائرات الهليكوبتر العسكرية. ومن المحتمل جدًا بيع أول مقاتلة أمريكية للهند فى العقد المقبل. كانت هناك أيضًا مناقشات حول مبيعات طائرات عسكرية أمريكية محتملة لفيتنام.
يبقى الاستنتاج الأخير والأكثر أهمية بعد كل ما ذكر وهو أن صناعة طائرات حربية عالية الجودة وأسلحة أخرى لن يساعد صناعة الدفاع الخاصة بأى دولة أو يعزز من قوتها الاستراتيجية ما لم يكن لديها حلفاء وعملاء.
 

الاعضاء الذين يشاهدون الموضوع (المجموع: 1, الاعضاء: 0,الزوار: 1)

أعلى