أين يذهب فائض القدرات الإنتاجية الصينية؟

The Machine

تيران وصنافير مصرية
إنضم
Jul 9, 2020
المشاركات
92
مستوى التفاعل
183
أين يذهب فائض القدرات الإنتاجية الصينية؟

د. محمد فايز فرحات


2020-637235037103058560-305_main.jpg


ارتبط النمو الاقتصادي الصين ي خلال عقود عدة بنمط التصنيع كثيف العمالة أو كثيف رأس المال ، ما أدى إلى نمو القدرات الإنتاجية في العديد من الصناعات بمعدل فاق قدرة الطلب الداخلي على استيعاب هذه القدرات، ما أدى إلى تطور ما يُعرف بمشكلة الفائض في القدرات الإنتاجية Overcapacity، والتي يقصد بها عدم استغلال كامل القدرات الإنتاجية المتاحة لقطاع ما، والاكتفاء بحجم معين من الإنتاج يتناسب مع إجمالي حجم الطلب الفعلي (الداخلي والخارجي). ويُقاس فائض القدرة الإنتاجية كميا بالفرق بين كامل حجم القدرات الإنتاجية المتاحة من ناحية، وحجم الإنتاج الفعلي. كما يُقاس الاستغلال الأمثل للقدرات الإنتاجية capacity utilization بنسبة الإنتاج الفعلي إلى إجمالي القدرات الإنتاجية الممكنة.

وبشكل عام، نتجت مشكلة فائض القدرات الإنتاجية تلك في الصين عن عوامل ثلاثة أساسية: أولها، هو تسارع معدل التحضر، ما نتج عنه خلق طلب ضخم على قطاع التشييد والبناء بشكل عام، وصناعتي الحديد و الأسمنت بشكل خاص. ثانيها، ارتفاع معدل الادخار الأسري، نتيجة ضعف الفرص والخيارات المتاحة أمام الاستثمار الخاص، مقابل هيمنة الشركات الحكومية والشركات الكبيرة بشكل عام، ما أدى إلى توجيه هذه المدخرات إلى الاستثمار من خلال الشركات كبيرة الحجم. ثالثها، تعلق بتراجع تكاليف مدخلات الإنتاج نتيجة السياسات الحكومية لتشجيع الاستثمار، خاصة في قطاع الصناعة.


وقد تركزت مشكلة الفائض في القدرات الإنتاجية في صناعات ثلاث، هي الحديد و الأسمنت و الصناعات الكيماوية ، نتيجة عوامل إضافية خاصة بهذه الصناعات؛ ففي حالة صناعة الأسمنت ، كان التأثير الأكبر لتسارع عملية التحضر وما نتج عنها من نمو هائل في حجم الطلب الداخلي على قطاع البناء والتشييد بشكل عام. وفي حالة الصناعات الكيماوية كان التأثير الأكبر للرغبة في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي واستيعاب البطالة، فضلا عن وجود نسبة كبيرة من المنتجين الذين عملوا خارج الاقتصاد الرسمي. أما في حالة صناعة الحديد ، فقد كان التأثير الأكبر للإجراءات الحمائية التي فُرضت بهدف حماية هذه الصناعة، من خلال فرض بعض الرسوم التمييزية ضد الصناعات غير المحلية، وسيطرة الشركات المملوكة للدولة على هذه الصناعة، وتمتعها بالعديد من الحوافز من جانب الحكومة بهدف تسريع معدل النمو الاقتصادي بشكل عام وقطاع الصناعة بشكل خاص، فضلا عن دعم الطاقة الذي حصلت عليه هذه الصناعة. وفقا لإحدى الدراسات، حصلت صناعة الحديد في الصين خلال الفترة من 2000 الي 2007 على إجمالي دعم طاقة بلغ أكثر من 27.1 بليون دولار أمريكي. كما شمل هذا الدعم أشكالا أخرى مثل توفير الأراضي بأسعار منخفضة.

قد تبدو هذه الظاهرة مشكلة محلية صينية، لكن هذا غير دقيق، فمن ناحية هي جزء من ظاهرة دولية؛ إذ تشير الإحصاءات حول الإنتاج العالمي من الحديد إلى حدوث نمو كبير في متوسط حجم الإنتاج السنوي بمعدل أكبر من معدل النمو في الطلب العالمي، مما أدى في النهاية إلى تزايد حجم الفائض في القدرات الإنتاجية العالمية. فقد ارتفع حجم هذه القدرات الإنتاجية تدريجيا من 1000 مليون طن سنويا خلال الفترة من (1980- 1994)، ليصل إلى 2371 مليون طن في سنة 2015. وبلغ متوسط الزيادة السنوية في حجم القدرات الإنتاجية 82 مليون طن سنويا خلال الفترة من (2000- 2015). وتركزت النسبة الأكبر من هذه الزيادة في الصين . هذا النمو المتسارع في حجم القدرات الإنتاجية بمعدل يفوق معدل الطلب العالمي أدى بدوره إلى تنامي أزمة فائض في القدرات الإنتاجية، التي قُدرت بنحو 242 مليون طن في المتوسط سنويا خلال الفترة من (1980- 2007). لكنها شهدت نموا بمعدل أعلى بعد حدوث الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، والتي أدت إلى تراجع كبير في حجم الطلب العالمي على الحديد ، مما أدى إلى تجاوز حجم الفائض الاقتصادي 500 مليون طن في 2009، ونحو 540 مليون طن في المتوسط خلال الفترة من (2008- 2017).

وجاءت المساهمة الأكبر من حجم الفائض في القدرات الإنتاجية العالمية من الصين ؛ فخلال الفترة من (2000- 2015) بلغ متوسط الفائض في القدرات الإنتاجية نحو 25 مليون طن سنويا في المتوسط في كل من الولايات المتحدة واليابان وروسيا، ونحو 50 مليون طن سنويا في الاتحاد الأوروبي، بينما ارتفع في الصين من صفر في سنة 2000 إلى 336 مليون طن في سنة 2015.

من ناحية أخرى، فإن أحد الحلول الصين ية المطروحة لمعالجة هذه الظاهرة هو خروج الشركات الصين ية الكبيرة إلى العمل خارج الصين ، الأمر الذي سيخلق احتمالات كبيرة لمزاحمة هذه الشركات للقدرات الإنتاجية المماثلة في العديد من الدول النامية والناشئة، وتزايد احتمالات الاستحواذ على الصناعات المحلية المماثلة لدى هذه الدول، خاصة أن العديد من هذه الدول راهنت على هذه الصناعات كجزء من تطوير قطاعاتها الصناعية.

وأخيرا، فإن أحد المداخل المهمة لفهم الحرب التجارية الراهنة بين الصين و الولايات المتحدة هو تطور الفائض في القدرات الإنتاجية لديهما من هذه الصناعات، الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة إلى فرض رسوم جمركية متصاعدة على العديد من الواردات الصين ية ذات الصلة بهذه الصناعات.
 

الاعضاء الذين يشاهدون الموضوع (المجموع: 1, الاعضاء: 0,الزوار: 1)

أعلى